X

تابعونا على فيسبوك

الباحث الأكاديمي إدريس الكنبوري: "المرنيسي تعسفت على الأحاديث والروايات في كتابها الحريم السياسي"

الاثنين 13 يوليو 2020 - 12:01
الباحث الأكاديمي إدريس الكنبوري:

علق الكاتب والباحث الأكاديمي إدريس الكنبوري على إعادة قناة الجزيرة نشر حلقة برنامج"خارج النص" الخاص بالباحثة المغربية الراحلة فاطمة المرنيسي، والذي كنت قد شاركت فيه، قبل عامين.  حيث خصصت الحلقة لكتابها"الحريم السياسي: النبي والنساء".

ونشر الباحث الكنبوري تدوينة مطولة على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "الفايسبوك" حلل من خلالها جوانب مختلفة مما تناولته الحلقة المخصصة للراحلة المرنيسي، والتي جاء فيها: 

الحق أن المرنيسي باحثة اجتماعية، قدمت بعض الإسهامات في السوسيولوجيا المغربية من خلال بعض أبحاثها حول النساء والجنس، والنساء في منطقة الغرب، أبحاث لها طابع البحث الاجتماعي الكمي الذي يرتكز على المقابلات الشخصية وتجميع المعطيات وإعادة تفسيرها، أو تفسيرها. لكنها انتقلت إلى الأبحاث ذات الطابع التاريخي، حيث ألفت كتبا مهمة حول المرأة في التاريخ الإسلامي، محاولة "إعادة تأويل" الجوانب المتعلقة بالنساء في هذا التاريخ.

لكن تلك الأبحاث لم تكن موفقة، فقد انتهت السوسيولوجيا حيث بدأت الإيديولوجيا، ودخلت المرنيسي مجال التوظيف الإيديولوجي للأخبار والمعطيات التاريخية، وخانتها ثقافتها التاريخية والدينية، وبدا عليها التأثر الزائد بكتابات المستشرقين، راغبة بذلك في فتح طريق نحو "نسوانية إسلامية"، نسوانية ترتكز على إعادة قراءة التاريخ والنصوص الإسلاميين قراءة ذات خلفية سياسية، تريد أن ترى في النص نصين، واحدا للذكور وآخر للإناث.

وقد تعسفت المرنيسي على الكثير من الأحاديث والروايات في كتابها المشار إليه، وصبت جام غضبها على الصحابي أبي هريرة رضي الله عنه، باحثة عن كل ما يمكن أن يسيء إليه، وحاولت أن تخلق بينه وبين عائشة رضي الله عنها صراعات ذات طابع سياسي، متهمة إياه بأنه كان يكذب ويتعمد الكذب، ثم يتراجع عن بعض الأحاديث عندما تتم مواجهته بنقيضها، ثم تسخر من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بأن لا ينسى، عندما شكى له نسيانه بعض الأحاديث.

وهذا أمر غريب حقا، أن يتم تكذيب ليس الخبر في ذاته، بل إمكانية حصول الحدث، حدث دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لصحابي لكي لا ينسى. نحن نعرف أن النبي عليه الصلاة والسلام دعا للكثير من الصحابة بأمور تميزوا بها فيما بعد، منهم ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما عندما دعا لهما بالتضلع في علوم القرآن، فلماذا التشكيك في الدعاء الخاص بأبي هريرة وعدم التشكيك في الروايات الأخرى؟

وأما أنه حصل بينه وبين عائشة خلاف حول بعض الأحاديث، فما أكثر الخلافات التي حصلت بين عائشة وبين الكثير من كبار الصحابة حول الأحاديث، والنبي عليه الصلاة والسلام نصح المسلمين بأخذ نصف دينهم عن هذه الحميراء ـ أي عائشة ـ فلم التشكيك في أبي هريرة دون الآخرين؟

وأما تراجعه عن بعض الأحاديث فما أكثر ما تراجع الصحابة عن الكثير منها، وما أكثر ما واجه عمر أبا بكر بحديث مضاد فتراجع أبو بكر، أو علي عمرا فتراجع عمر، أو غيرهم فتراجع غيرهم، وذلك في وقائع تتعلق بالقضاء بين الناس والإرث وغير ذلك، فلم الطعن في أبي هريرة وحده؟

وأما أن أبا هريرة كان يتابع النبي عليه الصلاة والسلام ولم يكن له عمل يعمله، وكان يعيش على ما يتفضل عليه النبي، فتلك مزية لم تكن لغيره، وهل هناك أرفع في الفضل والبركة من ملازمة النبي؟

وأما أنه كان ينسى، فما أكثر ما كان ينسى الحفاظ. وأما أنه كان يتوهم فما أكثر ما توهموا، ولعلماء الحديث الكثير من المؤلفات حول الحفاظ الذين ينسون، والذين يتوهمون، والذين يقعون في التصحيف، ولم يطعنوا فيهم، بل أخذوهم كما يؤخذ الناس بعضهم بعضا، مجرد بشر لهم أخطاؤهم ونسيانهم وقدراتهم المحدودة.

وللمسلمين القدامى أخلاق رفيعة، فقد كانوا يقدرون من يخدم حديث النبي، وكانوا يحترمون من يحفظ حديثا واحدا فيرحلون إليه، فكيف بمن كان يحفظ الآلاف من الأحاديث، إن نسي في نصفها بقي معه نصفها، وإن نسي في الثلثين بقي معه الثلث، وإن نسي في الجميع بقيت معه النية الصالحة في خدمة حديث النبي، والأعمال بالنيات؟

وقد سعت المرنيسي من وراء ذلك إلى إبراز الدور المفصلي للنساء في الإسلام من خلال عائشة رضي الله عنها، ثم حاولت من خلال الحديث عن صراع بينها وبين أبي هريرة أن تتوهم صراعا بين الأنوثة والذكورة، مع العلم أن الكثير من الصحابة الذكور، بل كبارهم، كانوا يلجأون إليها لتصحيح ما عندهم من الأخبار والأحاديث، بل كان بعضهم يعتمد فتاواها، فكيف يمكن الحديث عن ذكورة وأنوثة أمام وضع مثل هذا تحتل فيه امرأة موقعا مركزيا على مستوى ثاني أهم أصل في الإسلام، وهو الحديث؟

وللمرنيسي في هذا الكتاب عجائب ليس وراء من عجائب. فالحجاب عندها مشكلة في الإسلام مثله مثل الخطيئة الأصلية في المسيحية، و"الفقيه" الذي تعتمد عليه في إنكار الحجاب كقماش هو الحلاج، والناس لا تأخذ دينهم عن الصوفية بل عن الفقهاء وإنما تأخذ عن الصوفية التربية، إن كانوا صادقين لا راقصين. ثم تلك المسألة التي يلجأ إليها كل من يريد إسقاط المفاهيم الشرعية، أي مسألة اللغة، فالحجاب في لسان العرب هو الوقاية، ولا علاقة لذلك بما نعرفه، مثلما قال بعضهم إن الصلاة عند لسان العرب هي الدعاء فقط، والزكاة هي النمو، حيث نراهم يهربون من الشافعي إلى ابن منظور، من الفقه إلى اللغة.

 

 

 

 

 

 


إقــــرأ المزيد