جيل الضباع : حين أخطأ محمد جسوس
العياشي الفرفار
كم هي مظلومة الحيوانات، لاننا نحملها حماقات البشر.
أتذكر قصة وقعت بين المفكرين الكبيرين جون جاك روسو و فولتير، حين كتب روسو مسودة مشروعه أصل التفاوت وعرضه على فولتير -عقل فرنسا الأول آنذاك- من أجل اخذ وجهة نظره. مر أكثر من شهر ، و جون جاك روسو ينتظر التقييم بفارغ الصبر. كان جواب فولتير صادما، و علق بجملة قصيرة في الصفحة الأولى : "بعد ان قرأت مقالك تمنيت لو اني اسير على أربع ، تمنى لو كان حيوانا! " و هي قصة تستحق ان تحكى لعمق دلالاتها ( الذكاء هو عدم استخدام العقل).
ارسل إلي أحد طلبتي فيديو لشابة تنظم مسابقة للاختيار شابا يكون"صديقا لها " من بين مجوعة شباب ، الاختيار يكون بناء على نوع حذائه، هو تقليد لبرامج: blind dating by outfits. اتمنى ان لا اكون قد تسرعت في إصدار حكم قيمة حول موضوع "الشخصية و الارجل" ، قد يكون الشباب المتسابقون متاثرين بفلسفة نتشه حين تحدث عن الفلسفة و الكتابة بالاقدام ! في انتقاده للعقلانية الغربية ، و ان تاريخ الغرب كتبته الأقدام وليس الأقلام. لكن حديثهم ، لباسهم ، أفكارهم تكشف جحم الخواء ، أحدهم في حديثه عن نفسه قال ، نعم اكملت دراستي ، ولم أحصل على البكالوريا!
لكن كل مؤشرات توحي ان جسوس أخطأ حين قلل من احترامه للضباع ، لان الضباع منسجمة مع طبيعتها وهذا هو الذكاء في منظور جون جاك روسو. الفتاة ترتدي حذاء طويلا فقط ، تطرح اسئلة رثة على شباب تائهين ، وفي الاخير عليها الاختيار لتعلن انها في وضع صعب لان الاحذية تتشابه، فتطلب مساعدة من كلبتها لكي تساعدها في الاختيار! الكلبة تنطلق بسرعة ، و تقف بين شابين ليبدأ الصراع بينهما حول من نال رضى الكلبة ، بينما الشابة تبتسم في حالة انتشاء ، ليكون بيير بورديو من ضحايا فتاة تلعب بالقيم و ان نظرية الهيمنة الذكورية اصبحت متجاوزة. بلا شك العولمة تذيب الهويات الصلبة ، لكن ان يصل الامر الى هذا الحد من الاستهزاء بقيم المجتمع فالامر مؤشر مقلق .
مسلسل الانهيارات الاخلاقية مازال مستمرا ، والنتيجة تحولات قيمية مرعبة، حيث التفكك القيمي و الاخلاقي, وروتيني اليومي أ صبح تجارة مذرة للثروة. ما يقع هو استمرار الانهيار الاخلاقي و تكسير الحزام القيمي الجامع للحياء ، و المانع لكل خدش او قلة ادب هو ما يؤشر على ميلاد مرحلة ما بعد الاخلاق.
المفكر الكندي آلان دونو صاحب كتاب نظام التفاهة يعلن ان أن التافهين قد حسموا المعركة، من دون اجتياح الباستيل -إشارة إلى الثورة الفرنسية- ، ولا حريق الرايخشتاغ ” البرلمان الالمانى -إشارة وصول هتلر للسلطة و السيطرة عليها - ،ولا رصاصة واحدة من معركة «الفجر» إشارة إلى المعركة الأسطورية بين بونتا و براكمار. انتعاش خطاب التفاهة هو نتيجة لمسلسل متعدد الايعاد من الاعطاب ، هيمنة نظام التفاهة تعكس تحولات جذرية مست مختلف البنيات و الانساق داخل الدولة و المجتمع معا و حولت الهويات الصلبة الى هويات سائلة و جعلت اللا- اخلاق اخلاقا ، واصبحت الفضائح شهرة و انجازا ، و النتيجة انتعاش سوق الانحراف و الاستهلاك الشره للفصائح. تلك مؤشرات خطيرة على ان مؤسسات المجتمع اصبحت رخوة ، مما يساهم في انتاج العاهات الناسفة للقيم.
ولد نظام التفاهة حين تخلت الدولة عن دورها كشرطي للفضاء العام ، و كحارس للقيم المجتمعية و حمايتها من التلاشي و التاكل ، لأن مهمة الدولة كضامن للسيادة لا يعني فقط حماية الحدود ، لكن حماية ثرات الاجداد و هوية المجتمع. احدى مداخل الحل هو بناء مواطنة صلبة ، ذلك لا يتحقق بالقانون وحده ، و انما بتقوية كل المؤسسات المهتمة بالتنشئة و التربية من اجل بناء مواطن حامل لقيم وطنه، و متفاعلا مع خصوصية عصره ، وهو انجاز لا يتحقق الا بمجهود جماعي مشترك بين الدولة والمجتمع .
ان الاوان ان نعيد للأم مكانتها ، و للمدرس صوته الذي سرق منه، و ان للاب رمزيته، و للجد وقاره، و للشرطي قوته ، من اجل ان نرى مواطنينا يستعيدون الروح القتالية لمواجهة اشكالات الحياة ، بدل الهروب الى عالم المخدرات و العوالم الافتراضية.
إقــــرأ المزيد
آخر الأخبار
- 09:32 ثلاث سنوات سجنا للمتهمين بالتحرش بفتاة في كورنيش طنجة
- 09:23 انهيار سور بفاس يرسل 6 أشخاص إلى المستعجلات
- 09:14 أسعار صرف أهم العملات الأجنبية ليوم الجمعة
- 09:12 وهبي: المحاماة تواجهها الكثير من التحديات وعلى رأسها الرقمنة
- 09:05 محمد الخامس.. السلطان المقاوم
- 08:51 افتتاح الدورة ال19 للمعرض الدولي للبناء
- 08:28 بنما تعلّق علاقاتها مع “جبهة الوهم"