الاقتصاد السياسي للذكاء الاصطناعي
بقلم: عادل بن حمزة
عندما تم تعيين تشارلز ويلسون المدير التنفيذي لجنرال موتورز وزيرا للدفاع في الولايات المتحدة الأمريكية (1953-1957)، قال أمام لجنة برلمانية :"ما يصلح لجنرال موتورز يصلح للبلاد". على نهج ويلسون يمكن القول اليوم أن أقطاب الذكاء الاصطناعي والتكنلوجيا بصفة عامة، يقولون أن ما يصلح لنا لا يصلح فقط للولايات المتحدة، بل يصلح أيضا للعالم. هكذا يفكر أقطاب "الفيودالية التقنية"، فالنظر اليوم إلى التكنلوجيا وفي قلبها الذكاء الاصطناعي، لا يجب أن يكون فقط من منظور كونها مسألة تحول تقني وطفرة للعقل البشري يمكن أن تصلح كتحقيب جديدة للبشرية، بل أيضا وأساسا بوصفها آلية جديدة للهيمنة الاقتصادية بعيدا عن نظريات الصراع الطبقي، ولإعادة تشكيل السلطة السياسية بعيدا عن صناديق الاقتراع والسرديات التقليدية عن الديمقراطية والدولة والمؤسسات، طبعا بكل ما لذلك من مخاطر تتجاوز قدراتنا على التوقع.
يدرس الاقتصاد السياسي للذكاء الاصطناعي العلاقة المريبة بين الذكاء الاصطناعي والقوى الاقتصادية والسياسية التي تقف وراء تطوره وتوسعه وتأثيره على المجتمعات والدول وعلى بنية صناعة القرار داخلها، وكذلك على الواقع الجيوسياسي والسلم العالمي، هذه العلاقة في سياق التجربة التي يقدمها الثنائي ترامب/ماسك، يمكن النظر إليها من عدة زوايا، أولها تزايد نفوذ شركات التكنلوجيا الأمريكية في محيط صناعة القرار الأمريكي، بل إن إلون ماسك أصبح يمثل الرئيس غير المنتخب، وخططه في تفكيك بعض المؤسسات الفيدرالية والولوج إلى معطيات وبيانات حساسة، تثير الجدل، لأن الرجل ليس موظفا فيدراليا ولا يخضع لرقابة الكونغرس. هذا الوضع يهدد مبدأ فصل السلط، لأن ماسك يعمل خارج قواعد الديمقراطية التمثيلية التقليدية.
على غرار ماسك هناك تصاعد لدور قادة وادي السليكون الذين رسخوا وضعا احتكاريا للتكنولوجيا، ليس فقط داخل الولايات المتحدة، بل تقريبا على المستوى العالمي، وهو ما يجعل من شركات مثل مايكروسوفت، ميتا، أمازون، سبيس إكس، غوغل وغيرها، تبسط يدها على ملايير الدولارات حول العالم، دون أن تدفع في غالبيتها، لا ضرائب ولا أجور ولا حقوق ملكية فكرية أو ضمانات حماية الخصوصية، بل ولا تتحمل حتى مسؤولية ما ينشر على منصاتها أو ما يترتب عن استعمال أدواتها، في مقابل ذلك نجدها تعمل على مقاومة وضع قواعد تنظيمية وقانونية للحد من انفلاتها من أية رقابة، ويبدو أن تحالفها مع ساكن البيت الأبيض، يمنحها مساحة واسعة للاستمرار على نفس النهج.
التحدي الذي يواجه أقطاب التكنلوجيا وربما قد يكون مرجحا في تفسير تحالفها مع ترامب إضافة إلى أسباب أخرى سياسية وإيديولوجية، هو حاجة هذه الصناعة الجديدة، من جهة إلى الطاقة التي تستعمل في تخزين البيانات من خلال الحوسبة السحابية، وإن كان هذا الأمر لا يتعلق في المرحلة الحالية بجلب الطاقة من خارج الولايات المتحدة، بقدر ما هي بحاجة إلى تشريعات منفلتة من سردية الطاقات المتجددة وتغير المناخ للاستمرار في استغلال الطاقة الأحفورية داخليا، ومن جهة أخرى هي أيضا بحاجة إلى المعادن النادرة التي تدخل في صناعة أشباه الموصلات وصناعة الفضاء وصناعة البطاريات، لكن تبقى أهم حماية ينتظرها قادة وادي السليكون هي الحد من المنافسة الصينية عبر كل الوسائل الممكنة، وهنا تصبح الدولة مهمة وضرورة في خطاب "الفيودالية التقنية"، وقد تابعنا كيف أعلن ترامب إحداث هيكلية جديدة لصناعة الذكاء الاصطناعي بتمويل يصل إلى 500 مليار دولار، للحفاظ على أمريكا في ريادة هذه الصناعة التي تمثل مستقبل العالم...
المنافسة مع الصين لها أوجه متعددة، لكن الذكاء الاصطناعي أضحى اليوم عنوانها البارز، ذلك أن الهيمنة في هذا المجال ستمكّن الطرف المهيمن من النفوذ الاقتصادي والردع العسكري، فاستعمالات الذكاء الاصطناعي من قبل الجيوش والأجهزة الأمنية، أدخلت العالم في توازنات جديدة.
الذكاء الاصطناعي يعادل خطر الأسلحة النووية، ولهذا فإن غياب أيّ تقنين أو توافق دولي بشأن حدود الذكاء الاصطناعي وأخلاقياته، يجعل العالم مفتوحاً على أخطار غير قابلة للحصر. وكالة "الأسوشيتد برس" كشفت أول من أمس في تقرير لها عن حرب إسرائيل على غزة، كيف أن استعمالات الذكاء الاصطناعي من قبل الجيش الإسرائيلي كانت كارثية وأنه عوض أن تسهم في تقليل الضحايا من المدنيين، نجد أنها أسهمت من خلال تقديراتها الخاطئة وتحليلها غير الدقيق للبيانات، في زيادة عدد الضحايا والخراب، بل إن التحقيق كشف أزمة الأخلاقيات التي ترتبط بالخوارزميات المعتمدة في تدريب الذكاء الاصطناعي، وأن عدم الدقة في الترجمة من العربية إلى العبرية كان ثمنه أرواحاً بشرية. وقد أكد التقرير ضلوع كبريات شركات التكنولوجيا الأميركية في عقود مع الجيش الإسرائيلي لرصد البيانات وتخزينها وتحليلها، مثل مايكروسوفت، OpenAI، DELL، IBM، أمازون وغوغل.
ويكشف احتكار الذكاء الاصطناعي أهمّية الاستقلال التكنولوجي الذي يمثل اليوم أحد رموز السيادة، فالذكاء الاصطناعي ليس مجرد تكنولوجيا، بل هو أداة تعيد تشكيل الاقتصاد العالمي والتوازنات السياسية، بحيث تصبح الشركات تقوم مقام الدول والمؤسسات السياسية لتعظيم الأرباح وتعزيز الهيمنة الاقتصادية.
إقــــرأ المزيد
آخر الأخبار
- 13:42 الكيحل نائباً لرئيس برلمان البحر الأبيض المتوسط
- 13:28 التفاصيل الكاملة لتدشين أخنوش الجناح المغربي بالمعرض الدولي للفلاحة بباريس
- 13:23 برنامج استعجالي لإعادة تأهيل وتثمين الغابة الحضرية بوجدة
- 13:05 منتدى الفوبريل يدعم حل نزاع الصحراء المغربية
- 12:50 "البيجيدي" يستنكر رفض السلطات الترخيص لنشاط الحزب بالرشيدية
- 12:44 انطلاق فعاليات المؤتمر الوطني السابع للغة العربية بالرباط
- 12:43 وزارة المالية: عجز الميزانية بلغ 6.9 مليارات درهم