طبيب الفقراء الشافعي: "هناك لوبيات تحاربني بكل الوسائل..ومعركتي من أجل المرضى البسطاء مستمرة رغم تقديم استقالتي"
الجيلالي الطويل
"طبيب الفقراء"، وسم صار "ماركة مسجلة"، لطبيب شاب متخصص في جراحة الأطفال، بمستشفى عمومي بتيزنيت، هذا الإنسان إسمه "مهدي الشافعي، الذي أقسم يوم تخرجه على أن يحرص على أن يكون ملاك رحمة، وبلسماً يداوي الناس ويذهب عنهم الآهات والألم.
لكن "طبيب الفقراء" هذا، الذي اختار أن يؤدي عمله بكل نزاهة وشفافية، ومثابرة وتفاني، حيث فتح هاتفه الخلوي طيلة أيام الأسبوع وخارج الأوقات الرسمية للعمل من أجل متابعة حالات مرضاه و التواصل معهم والإطمئنان على أحوالهم وتطور حالاتهم، اصطدم بعراقيل إدارية، وتعقيدات تراتبية جعلته يتخذ قرار "الإستقالة"، الذي نزل كالصاعقة على محبيه من الفقراء، و أبناء الشعب الذين رأوا فيه ملاذهم ومخلصهم من التسلط و الزبونية بالمستشفيات العمومية.
وكان الدكتور الشافعي، قد وضع استقالته بعدما تمت متابعته بتهمة "السب والقذف" في حق مدير المركز الاستشفائي الحسن الأول بتيزنيت (الذي يشتغل به كجراح للأطفال)، حيث قررت المحكمة تأجيل النطق بالحكم في قضيته إلى غاية فاتح غشت القادم.
وكما عودت "ولوبريس"، قراءها، على مقاربة الموضوع بطريقة مهنية ومحايدة، فإنها ربطت الإتصال بالدكتور "مهدي الشافعي"، حيث تحدث لنا عن حيثيات استقالته، و الضغوط والمضايقات المهنية التي جعلته يتخذ هذا القرار، وموقف نقابة الأطباء من محنته، وكذا موقف مندوبية جهة سوس ماسة من قضيته، وسر حب الناس له.
تحدث لنا عن حيثيات متابعتك من طرف مدير المستشفى بتهمة السب والقذف ؟
متابعتي جاءت على خلفية شكاية تقدم بها مدير مستشفى الحسن الأول، الذي أعمل به كطبيب جراح للأطفال، ضدي، حيث اتهمني بالسب والقذف في حقه، بسبب تدوينة كنت قد نشرتها على صفحتي بموقع التواصل الإجتماعي فاسيبوك، أواخر أبريل الماضي من السنة الحالية، وقد تزامن ذلك مع الفترة التي كنت فيها بالديار الأوربية (النرويج تحديداً)، إذ كنت أحضر مؤتمرا عالميا حول "الجراحة التقويمية، وجراحة العظام عند الطفل".
وكنت قد أعلنت من خلال التدوينة أني عائد قريباً إلى أرض الوطن، بعدما منع مدير المستشفى أحد الممرضين الذي كنت قد أوكلت له متابعة علاج طفلة كنت قد أجريت لها عملية دقيقة حاولت من خلالها ألا أبثر ساقها، وهدده بالطرد إذا مااستمرّ (الممرض) في علاجها.
وعلى إثر هذا المستجد اتصل بي الممرض وأخبرني بما وقع، وأنا ساعتها كنت لا أزال بالمؤتمر الذي ذكرت آنفاً، لهذا ارتأيت أنه من الطبيعي أن أرد على ذلك، والرد السريع الذي كان متاحاً لي وأنا على بعد آلاف الكيلومترات، هو تدوينة فايسبوكية، حيث أخبرت من خلالها مدير المستشفى بأنني على علم بما يقع في غيابي، وأنني أتابع الحالات التي أشرف عليها وإن كنت خارج أرض الوطن.
وعندما عدت إلى أرض الوطن تفاجأت بأن مدير المستشفى وضع شكاية مباشرة ضدي، إلى رئيس المحكمة الإبتدائية بتيزنيت، بتاريخ 5 يوليوز 2018.
هل استقالتك كانت استباقاً وخوفاً من أن يحكم عليك بالسجن، علماً ان تدوينتك لم تتضمن أي سب أو قذف أو خروج عن أصول اللباقة ؟
"شوف، كاين واحد الحاجة، احن كبشر عندنا واحد الطاقة محدودة فالتحمل، انا را ماشي سوبر مان، ولا باطمان، ولا بطل كرتوني، الي غيتحارب و يحرر".
وعليه، ارتأيت أنه من واجبي، ومن المسؤولية الملقاة على عاتقي أن أدق ناقوس الخطر، وتجرأت على التكلم عن مشكل ينخر المنظومة الصحية العمومية.
لهذا جاء قرار استقالتي بعد حرب مريرة استمرت سنة كاملة أو أكثر، حيث لاحظت أنني أنهك طاقتي وصحتي كشاب، بسبب نضالي من أجل صحة هؤلاء الأطفال، الذين كرست لهم كل وقتي من أجل إجراء العمليات الجراحية لهم، والأخذ بأيديهم.
وأشير هنا إلى أن عدد العمليات التي كنت أجريها في بعض الأحيان تصل إلى 17 عملية جراحية في اليوم.
قلتم ان نضالكم دام أكثر من سنة، كنتم قد وجهتم خلالها نداءً ورسائل لكل من ملك البلاد، ووزير الصحة، نريد أن نعرف ماهي نوعية المشاكل و العراقيل والضغوطات التي أدت إلى كل هذا ؟
المشكل يتجلى، في الفساد الإداري الذي يعاني منه المستشفى، والشطط في استعمالل السلطة، و العراقيل الإدارية، بحيث أن الإدارة بدل أن تسهل لي ظروف العمل وتساعدني على تقديم خدمات جيدة للمواطنين، عاقبتني بعرضي على لجان تفتيش.
وإضافة إلى ذلك، قامت هذه الإدارة بالإتحاد مع المندوبية الإقليمية للصحة في شخص مندوبها الإقليمي، والمديرية الجهوية للصحة في شخص المدير الجهوي للصحة، من أجل التضييق علي، لا لشيء إلا أنني أؤدي عملي بكل ضمير و مهنية.
هناك مسألة غريبة جعلت العديد من متتبعي قضيتك يتساءلون عن إنسايتك وضميرك المهني، بالأمس قدمت استقالتك وحين اتصلنا بك من أجل هذا الحوار كنت داخل غرفة العمليات تجري عملية جراحية، كيف تفسر ذلك ؟
انا أعتبر هذا تفاني في العمل، إذ أعتبر أنه من غير المنطقي و المقبول أن أقدم الإستقالة من أجل الذهاب إلى بيتي وأخذ عطلة.
وأضيف أننا نعمل في إطار قانون يجب احترامه، من خلال تطبيق الجدول العملي و الجراحي، واحترام مواعيد المرضى الذين دافعت عنهم بكل استماتة.
لهذا أعتقد أن الواجب يحتم علي أن أفي بمواعيدي وبواجبي المهني، لأن تقديم الإستقالة لايعني أنني" نمشي نعس في داري ولا نتبحر مع راسي وانسى الناس و المواعيد الي عطيتهم باش نتبع حالتهم".
هل تظن أن استقالتك ستقبل ؟
أعتقد أن استقالتي سترفض، ولهذا ستطبق بعض المساطر القضائية، التي تنص على أن أطباء القطاع العام إذا ماأرادوا تقديم استقالتهم قبل استيفاء 8 سنوات من الخدمة العمومية، يجب عليهم ان يقدموا دعوى قضائية، وعليها يمكنهم ان يستفيدوا من بعض التعويضات المادية.
في حال إذا قبلت استقالتكم، هل خططتم إلى الهجرة إلى دولة (أوربا، أو أمريكا، او كندا) تقدر مهنيتك ونزاهتك؟
مع كامل احترامي وتقديري، فأنا أتحفظ عن الإجابة على هذا السؤال.
ماموقف نقابتكم من ما تتعرض له ؟
دعني أؤكد لكم شيء أساسي، هو أنه لا توجد نقابات وهذا ليس من وحي خيالي، وإنما من معيش يومي واقعي، "لحقاش كل واحد تيخدم المصلحة الشخصية ديالو".
وأقول لكم سراً لا يعلمه الكثير من الناس هو أنني كاتب إقليمي للنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام بتيزنيت، وأعتبر نفسي أنني كاتب إقليمي لمكتب "شبح"، لهذا كان موقفي هو الدفاع ولو بشكل فردي على المصلحة العامة للمواطن، وهذا ما يجعل الكثير من الأطباء يعانون في صمت.
هل تعتقدون أن هناك من يتآمر على صحة المواطن و يجعلها عرضة للحسابات الشخصية؟
أنا أعتقد أن من يتآمر على صحة المواطن هو المواطن نفسه، وأقصد بالمواطن هنا هو ذاك الشخص الذي يرى الفساد ويساهم في نموه بصمته.
إذ أن المواطن بالنسبة إلي هو "صفة"، أي أنه يمكن أن يكون طبيباً، أو ممرضاً، أومهندساً، أو مسؤولاً، لهذا أعتقد ان الكل مسؤول على الأوضاع التي نعيشها اليوم بالقطاع الصحي.
ولهذا فالمسؤولية مشتركة، وبالتالي وجب أن نتحد من اجل تغيير هذه الأوضاع المأساوية التي تعيشها المنظومة الصحية.
لماذا قرار الإنسحاب، علماً أن معركتك رابحة وسندها حب الناس، الذين أعلنوا تضامنهم من داخل الوطن وخارجه ؟
أعتقد أن الإنسان حين يدخل في أزمة معينة، فإنه تكون له استراتيجيات، وكذلك يرسم لأولويات والخطوات التي يتبعها خلال مساره، وعلى هذا الأساس كان من الضروري أن نتبع هذه الخطوات بثبات، لكي لا تكون هناك مانسميه بالفرنسية "les dégâts collatéraux".
لهذا فكل ما أريده هو الصالح العام، الذي وجب علينا نقاشه و التحاور بشأنه، من أجل تشريح المشاكل التي يعاني منها القطاع الصحي، لكي نتمكن من إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لانني أعتبر أن " مغربنا زين، وخاصنا نزيدو به القدام، وهذ الشي الي بغينا كشباب طموح".
يمكن أن تصف لنا حالتك النفسية، وأنت ترى في عيون الناس البسطاء حبهم واحترامهم لك ؟
أحس بمعنويات مرتفعة، لأن هذا الحب يقوي بداخلي الإيمان بالقضية التي أناضل من أجلها، وهذا ما يشجعني على العطاء أكثر، و الدليل انه رغم الإستقالة لازلت أؤدي واجبي وأجري العمليات الجراحية.
وأعتبر أن هذه الأزمة ماهي إلا عثرة تقوّيني، وتنمحني القوة على المضي إلى الأمام، والإستفادة من كل التجارب التي مررت بها، من أجل تحسين عملي بانعكاسات إيجابية على وسطي العائلي والعملي (المهني).
هل تحس أن الناس البسطاء سواء الذين ناضلت من أجلهم، أو أولئك الذين اجريت لهم عمليات جراحية لم يتركوك ويسندون ظهرك ؟
نعم أحس بأنهم يساندوني ولم يتخلوا عني، وهنا وجب أن أصحح بعض الأشياء هو أن هؤلاء الناس لم أضعهم يوماً وراء ظهري من أجل استغلالهم، وإنما كنت أضعهم دائماً أمامي من أجل خدمتكهم، لأنني أؤمن بأنهم هدفي المنشود في هذه المهمنة من أجل التحسين و الرقي بالوضع الصحي العمومي بالمغرب.
إقــــرأ المزيد
آخر الأخبار
- 12:10 فتح معبر “زوج بغال” لإعادة مغاربة كانوا في السجون الجزائرية
- 12:02 أرقام صادمة لحالات العنف ضد النساء بالمغرب
- 11:47 هل فشل امهيدية في حربه على عشوائية البيضاء؟
- 11:46 مكتب الخليع يوفر تذاكر تفضيلية بمناسبة اليوم العالمي للنقل المستدام
- 11:23 الإكوادور تطرد ممثلي البوليساريو من أراضيها
- 11:02 المغرب يشرع في استيراد زيت العود الإسباني
- 10:45 وزارة التعليم تدخل على خط فيديو كتغوتي عليا