في حوار خاص .. أستاذ العلاقات الدولية إدريس لكريني يرصد آليات ومداخل تدبير أزمات التحول الديمقراطي في المنطقة العربية
أكد الأستاذ إدريس لكريني على أن مسار التحول في مجمل دول المنطقة العربية ينطوي على صعوبات جمة، نتيجة حالة الجمود السياسي التي عمّت على امتداد عدة عقود مضت..
وأوضح أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض مراكش أن موضوع الإصلاح السّياسي والدّستوري بالمغرب، لم ينطلق مع حركة 20 فبراير التي برزت في أعقاب انطلاق الحراك بالمنطقة، بل شكل ذلك (الإصلاح) أولوية لعدد من الأحزاب الوطنية والقوى السياسية والحقوقية والأكاديمية منذ عقود خلت، كلّفت نضالات وتضحيات جسام..
*ما هي أقوى الإشكالات سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي والاجتماعي والأمني التي تقف حجر عثرة في وجه التحول الديموقراطي في المنطقة العربية؟
ينطوي مسار التحول في مجمل دول المنطقة العربية على صعوبات جمّة، نتيجة لحالة الجمود السياسي التي عمّت على امتداد عدة عقود مضت، وما رافق ذلك من تهميش لمختلف النخب، ومن صعوبات اجتماعية متّصلة بتفشي البطالة والفقر..، وتنامي الصراعات الطائفية، بالإضافة إلى الصعوبات الاقتصادية والعوامل المؤسساتية، علاوة عن ضعف الوعي السياسي، الذي يجعل المواطن قابلا للتجييش، ثم ضعف الفكر الّليبرالي الديمقراطي، ووجود فراغ سياسي، بسبب هشاشة المشهد الحزبي وضعف النخب المعارضة..
فقد نجحت الكثير من الأنظمة السياسية لدول المنطقة، في تفريغ المشهد السياسي من أي دينامية أو معنى، بعدما بسطت هيمنتها على مختلف القنوات والمؤسسات، وضيّقت الخناق على الأحزاب السياسية المعارضة، ومختلف القوى السياسية والمدنية الحيّة الأخرى، فيما لعبت الانتخابات المزوّرة دورا أساسيا في إعادة إنتاج الاستبداد، وتمكين نفس الوجوه من الوصول إلى مراكز القرار الحيوية، وتهميش مختلف الكفاءات من نساء وشباب.
وعلى المستوى الاقتصادي لم تستطع الكثير من هذه الدول أن تبني اقتصادا عصريا في مستوى الرهانات والتحديات المطروحة داخليا وخارجيا، حيث ظّل في مجمله اقتصادا تقليديا، تعتريه مجموعة من الاختلالات الهيكلية، على الرغم من الإمكانيات والثروات المختلفة المتوافرة.. كما فشلت الكثير منها على مستوى تحقيق العدالة الاجتماعية، فيما حدّت من حضور ووزن الطبقة الوسطى، التي تعتبر أساس التوازن داخل المجتمع.
وشكّل الحراك مناسبة لمجموعة الأطراف التي عانت من الحيف والإقصاء والتهميش، لتطالب بحقوقها وإدماجها داخل المجتمع بصورة بناءة. وبخاصة وأن معظم الدول التي اندلع فيها الحراك، فشلت أنظمتها بشكل ذريع في تدبير التنوع المجتمعي بصورة فاعلة وديمقراطية، بل كثيرا ما وظّفته بصور مقيتة ومنحرفة خدمة لمصالحها السياسية الضيّقة، من خلال زرع الفرقة والصراع، لإطالة عمر الاستبداد، وتبدو الحالة السورية في هذه المرحلة حاضرة بقوة في هذا الصدد. وعلى المستوى الأمني، رزت الكثير من مظاهر الإرهاب والتطرف في عدد من دول الحراك، ما أربك الأوضاع السياسية.
*كيف تقيم الحراك الذي شهده المغرب عام 2011؟
أخذ الحراك في المغرب طابعا سلميا، لعدة اعتبارات، أهمها أن موضوع الإصلاح والنقاشات المرتبطة به، ليست أمرا جديدا في المشهد السياسي المغربي، كما أن المغرب اعتمد قدرا من الانفتاح السياسي في العقدين الأخيرين، ما سمح بوصول المعارضة إلى الحكومة، واتخاذ مجموعة من التدابير والمبادرات الداعمة لحقوق الإنسان..
وينطوي الإصلاح الدستوري لعام 2011 على أهمية كبرى بالنظر إلى المستجدات الهامة التي حملها، بالنظر إلى سموّ الدستور، وما يفرضه ذلك من تكييف للتشريعات والسياسات العمومية مع روحه، غير أن الكثير من المستجدات وعلى أهميتها طرحت نقاشات وإشكالات عند التنزيل.. ففيما اعتبرت بعض القوى المعارضة داخل البرلمان أن الحكومة ما زالت تتصرّف بمنطق الدستور السابق، ولم تستوعب المستجدات الدستورية التي وسّعت من هامش تحركها، أكد بعض الباحثين أن المعارضة البرلمانية نفسها لم تستثمر بعد الإمكانات والفرص التي أتاحها أمامها الفصل العاشر من الدستور الجديد.
لم ينطلق موضوع الإصلاح السّياسي والدّستوري بالمغرب، مع حركة 20 فبراير التي برزت في أعقاب انطلاق الحراك بالمنطقة، بل شكل ذلك (الإصلاح) أولوية لعدد من الأحزاب الوطنية والقوى السياسية والحقوقية والأكاديمية منذ عقود خلت، كلّفت نضالات وتضحيات جسام.. غير أن تسارع الأحداث بعد ظهور الحركة، وما تراكم من إصلاحات ومبادرات سياسية وتشريعية مختلفة دعمت المشهد السياسي والديمقراطي، يبرز أن المغرب ربح مجموعة من المكتسبات، ربما كانت ستكلفه عقودا من الانتظار.
*تطرقتم في كتابكم الجديد إلى نقطة أن العدالة الانتقالية تمثل مدخلا سلسا لتدبير أزمات التحول الديموقراطي وتجاوز ارتباكات المشهد السياسي، هل يمكنكم تقريب القارئ بشكل مفصل نوعا ما من كيفية ذلك؟
يعدّ الاهتمام بحقوق الإنسان وتعزيزها في شموليتها، مدخلا أساسيا على طريق إرساء دعائم دولة الحقّ والقانون. فإذا كانت الديمقراطية تتطلّب توافر مجموعة من المقومات والشروط، فإن طيّ صفحات الماضي ومصارحة الذّات، من خلال اعتماد آلية العدالة الانتقالية، يعدّ أحد المداخل للازمة لتعبيد الطريق نحو إعمال ديمقراطية تضمن وضع حدّ لمختلف الصراعات والنزاعات الداخلية، وإرساء أسس متينة لدولة الحقّ والقانون.
إن التحوّل الديمقراطي هو مسار طويل، يفرض اعتماد الكثير من التدابير، سواء تعلق الأمر منها بإصدار دستور يوفّر ضمانات تقطع مع الاستبداد وتدعم الحقوق والحريات، أو بإعمال إصلاحات سياسية واقتصادية تدعم الاستقرار وتجاوز المعضلات الاجتماعية المتراكمة وترسيخ دولة القانون واستقلالية القضاء، أو على مستوى التعامل بصورة بنّاءة مع تجاوزات الماضي في ارتباط ذلك بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
ويعتبر استحضار التجارب الدولية الرائدة في مجال العدالة الانتقالية أمرا مهما، ذلك أنه يسمح بالاطلاع على تراكمات واعدة كان لها الفضل في تأمين الانتقال السياسي بهذه الدول. وهي بذلك لا توفّر إطار نظريا للباحثين فحسب، ولكنّها تعكس تجارب ميدانية، يمكن أن تستأنس بها الدول العربية، وتستفيد منها.
إقــــرأ المزيد
آخر الأخبار
- 06:44 أجواء غير مستقرة في توقعات أحوال الطقس ليوم السبت
- الأمس 21:47 كان السيدات...اللبوءات في مجموعة قوية
- الأمس 21:00 نشرة إنذارية: طقس حار ورياح قوية بعدد من مناطق المملكة
- الأمس 20:04 بوريطة يبحث مع المفوض الأممي لحقوق الإنسان القضايا ذات الإهتمام المشترك
- الأمس 19:34 أنوار صبري يُطالب برفع الدعم الإضافي من الميزانية السنوية لجماعات إقليم سيدي سليمان
- الأمس 19:05 وسط صمت المدرجات...التعادل يحسم الديربي البيضاوي
- الأمس 19:04 منتخب جنوب السودان يقسو على أسود السلة في تصفيات كأس إفريقي